يقسم الجاحظ الأمم المعتبر نظرها في صناعةِ الكلام إلى أربع أمم هي على الترتيب: العرب، والفرس، والهند، والروم. وهذه الأمم الأربعةُ تتحقق فيها الخصيصة الإنسانية العموميّة؛ لأنها أمم ليس فيها انكفاء على نفسها، وليس في أرضها ما يمنع غيرها من مشاركتها السكن، وليس في تاريخها ما يدلّ على أنها مغلوبة على الدوام، ولذلك تنتفي عنها صفة الهمجيّة. على أنّ الهمجيّة مفهوم لا يقف عند الأمم في فكر الجاحظ، بل يلحقُ أصحاب المهن الذين يعملون بالأُجرةِ لكل أحد دون قيد أو شرط سوى شرط الربح، وتلحقُ أصحاب الجزائر في البحار، وسكان الجبال؛ لعدم تحقق إمكانية العبور الحضاريّ بسبب عدم صلاحها للسكن اختيارًا، بل هي من أماكن الاضطرار. هذا التقسيم للأمم والمهن بين الهمجيّة والنخبوية يظهرُ منه أنّ الجاحظ يجدُ في لغة البشر...